حرمة قتل النفس والاقتتال الداخلي ووجوب إصلاح ذات البين
بقلم: الشيخ خليل خضر أبو خضر
رئيس جمعية القرآن والسنّة – فلسطين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،،،
حذر العقلاء في مواضع شتى من بعض مظاهر الفلتان والتراشق الإعلامي بين الأوساط السياسية في فلسطين داعين إلى ضبط النفس خوفاً من وصول الأمر إلى ما لا يحمد عقباه ، وقد حصل ما توقعه وحذر منه الجميع ، فاعتدى الأخ على أخيه وسفكت الدماء وأزهقت الأرواح وحصل التقاتل بين أبناء الشعب الواحد الذي ينظر إليه نظرة تقدير واحترام ، الشعب الذي أمضى حياته في مقارعة العدو والمرابطة على أرضه ناسين أو متناسين أن أمامهم عدو مشترك يتربص بهم ويسعى لإفشال جهودهم.
ولا بد لنا من الكلمة في ظل هذه الأحداث والفتن نبتغي بها وجه الله ونعمل على رص الصفوف ووحدة الكلمة ومن ذلك نبين ما يلي:
ما جاء في قتل المسلم بغير حقٍّ عمداً وخطأ
قتل المسلم يكون بحقٍّ وبغير حق، يكون بحقٍّ قصاصاً وحَدًّا، والقتل بغير حقٍّ يكون عمداً وخطأ، وقد قال الله عزَّ وجلَّ في القتل عمداً: (( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ))، وقال: ((وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً .يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً .إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً )), وقال الله تعالى في سورتي الأنعام والإسراء: ((وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ )), وقال في سورة الأنعام: (( وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً )) ، وقال تعالى: (( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ )) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدِّماء )) رواه البخاري (6864) ومسلم (1678)، وقد أكَّد صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجَّة الوداع حرمة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم بتشبيهها بحرمة الزمان والمكان، فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: (( خطبنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يوم النحر، قال: أتدرون أيَّ يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننَّا أنَّه سيُسمِّيه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى! قال: أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنَّه سيُسمِّيه بغير اسمه، فقال: أليس ذو الحجة؟ قلنا: بلى! قال: أي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنَّه سيُسمِّيه بغير اسمه، قال: أليست بالبلدة الحرام؟ قلنا: بلى! قال: فإنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربَّكم، ألاَ هل بلَّغت؟ قالوا: نعم! قال: اللهمَّ اشهد، فليُبلِّغ الشاهدُ الغائبَ، فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضُكم رقابَ بعض )) رواه البخاري (67) و(1741)، ومسلم (1679)، وقد جاء هذا التأكيد أيضاً في حديث ابن عباس في صحيح البخاري (1739)، وحديث ابن عمر فيه أيضاً (1742)، وحديث جابر في صحيح مسلم (1218).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (( اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله! وما هنَّ؟ قال: الشرك بالله، والسِّحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلاَّ بالحقِّ، وأكل الرِّبا، وأكل مال اليتيم، والتولِّي يوم الزَّحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات )) رواه البخاري (2766)، ومسلم (145).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لن يزال المؤمن في فُسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً ))، وقال ابن عمر: (( إنَّ من وَرْطات الأمور التي لا مخرج لِمَن أوقع نفسَه فيها سفك الدم الحرام بغير حلِّه )) رواهما البخاري في صحيحه (6862 ، 6863).
وقال عبادة بن الصامت: (( كنَّا مع رسول الله في مجلس، فقال: تُبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفسَ التي حرَّم الله إلاَّ بالحقِّ، فمَن وفَّى منكم فأجره على الله، ومَن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب به فهو كفَّارةٌ له، ومَن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه فأمرُه إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذَّبه )) رواه البخاري (18) ومسلم (1709)، وهذا لفظ مسلم.
وعن ابن عمر، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَن حَمَلَ علينا السِّلاحَ فليس منَّا )) رواه البخاري (6874) ومسلم (161).
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يحلُّ دمُ امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلاَّ الله وأنِّي رسول الله إلاَّ بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيِّب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة )) رواه البخاري (6878)، ومسلم (1676).
وعنه أيضاً: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( سبابُ المسلم فسوق، وقتاله كفر )) رواه البخاري (48)، ومسلم (116).
وعن ابن عباس: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( أبغضُ الناس إلى الله ثلاثة: مُلحدٌ في الحرَم، و مبتغ في الإسلام سنَّة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حقٍّ ليهريق دمه )) رواه البخاري (6882).
وقال الله عزَّ وجلَّ: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) وفي صحيح البخاري (6896) عن ابن عمر رضي الله عنهما: (( أنَّ غلاماً قُتل غيلة، فقال عمر: لو اشترك فيها أهلُ صنعاء لقتلتُهم ))، وقال مغيرة بن حكيم، عن أبيه: (( إنَّ أربعة قتلوا صبيًّا، فقال عمر …)) مثله.
وفي صحيح البخاري (7152) عن جندب بن عبد الله قال: (( إنَّ أوَّل ما ينتن من الإنسان بطنُه، فمَن استطاع أن لا يأكل إلاَّ طيِّباً فليفعل، ومَن استطاع أن لا يُحال بينه وبين الجنَّة بملء كفٍّ من دم هراقه فليفعل ))، قال الحافظ في الفتح (13/130): ((ووقع مرفوعاً عند الطبراني أيضاً من طريق إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن جندب، ولفظه: (تعلمون أنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحولنَّ بين أحدكم وبين الجنَّة وهو يراها ملءُ كفِّ دم من مسلم أهراقه بغير حلِّه)، وهذا لو لم يرِد مصرَّحاً برفعه لكان في حكم المرفوع؛ لأنَّه لا يُقال بالرأي، وهو وعيد شديد لقتل المسلم بغير حقٍّ )).
وقال صلى الله عليه وسلم : (( ومَن خرج على أمَّتي يضرب برَّها وفاجرَها، ولا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهدَه، فليس منِّي ولستُ منه )) رواه مسلم (1848).
وهذه أحاديثُ لَم ترد في الصحيحين مِمَّا أورده المنذري في الترغيب والترهيب، وأثبته الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/629 ـ 634):
عن البراء رضي الله عنه : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لزوال الدنيا أهونُ على الله من قتل مؤمن بغير حق، ولو أنَّ أهلَ سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار )).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم )).
وعن بُريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا )).
وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو أنَّ أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبَّهم الله في النار)).
وعن أبي بكرة رضي الله عنه ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((لو أنَّ أهل السموات والأرض اجتمعوا على قتل مسلم لكبَّهم الله جميعاً على وجوههم في النار)).
وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كلُّ ذنب عسى الله أن يغفره، إلاَّ الرجل يموت كافراً، أو الرجل يقتل مؤمناً متعمِّداً )).
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( كلُّ ذنب عسى الله أن يغفره، إلاَّ الرجل يموت مشركاً، أو يقتل مؤمناً متعمِّداً )).
وعن أبي موسى رضي الله عنه ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا أصبح إبليسُ بثَّ جنودَه، فيقول: مَن أخذل اليوم مسلماً أُلبسُه التاج، قال: فيجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى طلَّق امرأته، فيقول: أوشك أن يتزوَّج، ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى عقَّ والديه، فيقول: يوشك أن يبرَّهما، ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى أشرك، فيقول: أنت أنت، ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى قَتَل، فيقول: أنت أنت، ويُلبسه التاج )).
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( من قتل مؤمناً فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً )) رواه أبو داود، ثم روى عن خالد بن دهقان: سألت يحيى بن يحيى الغسَّاني عن قوله: (( فاغتبط ))، فقال: (( الذين يقاتلون في الفتنة، فيقتل أحدهم، فيرى أحدهم أنَّه على هدى لا يستغفر الله، يعني من ذلك )).
وعن أبي سعيد رضي الله عنه ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (( يخرج عُنق من النار يتكلَّم، يقول: وُكلتُ اليوم بثلاثة: بكلِّ جبَّار عنيد، ومَن جعل مع الله إلَهاً آخر، ومن قتل نفساً بغير حق، فينطوي عليهم فيقذفهم في غمرات جهنَّم )).
وأمَّا قتل المؤمن خطأ ، فقد أوجب الله فيه الدية والكفارة، قال الله تعالى: (( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ)) إلى قوله: (( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً )).
ما جاء في تعظيم أمر القتل وخطره في الشرائع السابقة
قال الله عزَّ وجلَّ عن أحد ابني آدم: (( فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ))، وقال الله عزَّ وجلَّ: (( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ )) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( لا تُقتل نفس ظلماً إلاَّ كان على ابن آدم الأول كفلٌ من دمها؛ لأنَّه أول من سنَّ القتل )) رواه البخاري (3335)، ومسلم (1677)، وقال الله عزَّ وجلَّ عن رسوله موسى صلى الله عليه وسلم أنَّه قال للخضر: (( أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً))، وقال عنه: (( فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ . قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ))، وفي صحيح مسلم (2905) عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: (( يا أهل العراق! ما أسْأَلَكُم عن الصغيرة وأركبَكم للكبيرة! سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ الفتنةَ تجيء من ههنا، وأومأ بيده نحو المشرق، من حيث يطلع قرنا الشيطان، وأنتم يضرب بعضُكم رقاب بعض، وإنَّما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ، فقال الله عزَّ وجلَّ له: (( وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً))، وقول سالم بن عبد الله: (( ما أسألَكم عن الصغيرة وأركبَكم للكبيرة! )) يشير بذلك إلى ما جاء عن أبيه في صحيح البخاري (5994) أنَّه سأله رجل من أهل العراق عن دم البعوض، فقال:
(( انظروا إلى هذا، يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وسمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: هما ريحانتاي من الدنيا ))، يعني الحسن والحسين رضي الله عنهما.
وقال تعالى: ((وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ )) ، وقال تعالى: ((وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ )).
**
إن هذه الأعمال من فتن الشيطان وتحريشه وقد بين لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( إن الشيطان قد ايس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم) رواه مسلم في ”الصحيح” (8/138)و أخرجه أحمد 3/313 ،والترمذي(1937).
وجوب الإصلاح بين المتخاصمين
قال تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، وأتبعها بقوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) ، وقال (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )، وقال: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ).
لذا فإن واجب الأمة في جمع الكلمة والإصلاح بينهما ورص الصفوف كبير وعظيم وقد بين ربنا ذلك بقوله: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا).
لذلك فإن هذا الاقتتال والاختلاف أمر يستنكره كل العقلاء والشرفاء، فعلام نتقاتل وبيننا عدو مشترك يفعل بنا الأعاجيب ألا نعلم أن هذا الأمر يبعد الناس عنا ويقلل احترامهم وتقديرهم لنا ونحن أمل الناس ( إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم) رواه احمد والترمذي وقال حسن صحيح.
ألا يعلم المتقاتلون أنهم يقعون في آثام متعددة وجرائم كبرى ومنها إثارة الفتنة وإشاعة الفوضى وذعر الأطفال والنساء والشيوخ وهدم كل ما تم بنيانه أم يسمعوا قول ربنا: (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ) ، وقوله
وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) ، وقوله (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ).
ألا يعلمون أن هذا من أمور الجاهلية وأن دم المؤمن أعظم عند الله من هدم الكعبة ! أين رص الصفوف وخفض الجناح ولين الجانب والتآخي والتصافي والتراحم! إن القاعدة الأصيلة بين المسلمين أن يسعوا في كل أمر يؤلف بينهم ويجمع كلمتهم ويوحد رأيهم وأن ينبذوا كل ما يضاد ذلك ، وأمرهم بالإصلاح فيما بينهم.
قال الشاعر:
رص الصفوف عقيدة أوصى الاله بها نبيه
ويد الله مع الجماعة والتفرق جاهلية
********
كونوا جميعا يا بني إذا اعترى خطب ولا تتفرقوا آحادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وان افترقن تقفارت آحادا
لذا لا بد لنا من رص الصفوف وجمع الكلمة لمواجهة الأعداء ووجوب مناصرة كل عمل يؤدي إلى وأد الفتن.
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين