بدر عبد الحميد
على الرغم من ظهور الإسلام وحرصه الشديد منذ البداية على حفظه لكرامة المرأة وحقوقها، ودعوته لعدم إيذائها، إلا أن قضية ( الزوجة المعلقة ) تجعلنا نحس أننا عدنا إلى العصر الجاهلي ؛ العصر الذي كانت فيه المرأة لا كرامة لها ويتركها الزوج معلقة بالشهور بل بالسنين .
ولقد أصبح مرتكب هذه الجريمة ينظر إلى ذلك نظرة مستحبة، فهو يجد في ذلك أحياناً تسلية ولذة، وينسى أنه يرتكب جرماً عظيماً، وأنّ في القرآن آيات تناولت هذه القضية، وأفواه الأئمة ترددها دائماً، بل يرددها هو أحياناً، ولكن القسوة جعلته لا يستشعر معانيها ولا يتدبر دلالاتها.
قال تعالى : " وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم. سورة البقرة، الآية231.
ولقد نص القرآن صراحة على مصطلح الزوجة المعلقة فقال عز من قائل : " وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً. سورة النساء، الآية 129..
والمرأة المعلقة هي المرأة التي لا هي زوجة ولا هي مطلقة .
وهناك أنواع وأشكال لهذا التعليق منه :
1- أن المرأة تطلب الطلاق من زوجها أو الاختلاع منه فيرفض الزوج طلاقها، فيتركها معلقة، إما أنه يريدها ولكن ترفضه بشدة لسوء معاملته لها، أو انتقاماً منها.
2- أن يكون للزوج امرأتان فيميل إلى إحداهن، ويترك الأخرى دون نفقة عليها هي وأولادها، مع الغياب عنها طويلاً.
3- أن يكون الزوج ممن يتعاطى المخدرات، فيهجر الزوجة وأولادها، فتعيش في فقر شديد فيتركها ويعيش مع نزواته ورغباته.
4- أن تكون للزوج عشيقة أو امرأة أخرى يريد الزواج منها فترفض زوجته هذه العلاقة فيتركها معلقة انتقاماً منها .
5- أن يكون الزوج بخيلا وحينما تطالبه الزوجة بحقها وحق أولادها في النفقة الشرعية يتركها معلقة .
والزوجة المعلقة تواجه في حياتها متاعب ومشاكل كثيرة منها :
1- رفضها من قبل أهلها أو رفض أولادها، فيقبل بعض الأهل بناتهم لكن بشرط أن ترمي فلذات كبدها لزوجها الظالم, وذلك إما لعدم قدرة أهلها على الإنفاق على الأطفال، أو لعدم انتسابهم إليهم. 2- تعييرها بحالتها من قبل المجتمع كالجارات والصديقات.
3- حاجتها للمال كي تنفق على نفسها وعلى أولادها في حالة تخلي الزوج والأهل عنها وعدم وجود مورد مالي خاص بها.
4- رغبتها الجنسية وحاجتها إلى الإشباع الجنسي.
5- رغبة بالانتقام من الزوج الظالم، ولو عن طريق تدنيس جسدها بعلاقة جنسية محرمة.
6- رغبة بالانتقام من المجتمع الظالم الذي يرى القشة في عين المرأة، ولا يرى الجمل في عين الرجل.
لذا فقد جاءت الشريعة الغراء بتحريم مسألة تعليق المرأة، ووضعت مبدأ : إن لم يكن وفاق فطلاق , قال تعالى: " الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ . سورة البقرة الآية 229.
عَنْ أَبِي رَزِينٍ ، أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، فَقَالَ : سَمِعْتُ الله تَعَالَى يَقُولُ : {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} قَالَ : أَيْنَ الثَّالِثَةُ ؟ قَالَ : فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ.البوصيري :إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة 4/153.
وعن عمر قال : أيما امرأة طلقها زوجها تطليقة أو تطليقتين ثم تركها حتى تحل وتنكح زوجا غيره ، فيموت عنها أو يطلقها ، ثم تنكح زوجها الأول فإنها تكون عنده على ما بقى من طلاقها .أخرجه البيهقى (7 /364 ، رقم 14912) .
قال ابن كثير في تفسيره: "هذا أمر من الله عز وجل للرجال، إذا طلق أحدهم المرأة طلاقاً له عليها فيه رجعة أن يحسن في أمرها إذا انقضت عدتها ولم يبقى منها إلا مقدار ما يمكنه فيه رجعتها، فإما أن يمسكها، أي يرتجعها إلى عصمة نكاحه بمعروف، وهو أن يشهد على رجعتها وينوي عشرتها بالمعروف، أو يسرحها، أي يتركها حتى تنقضي عدتها ويخرجها من منزله بالتي هي أحسن، من غير شقاق، ولا مخاصمة، ولا تقابح". تفسير ابن كثير 1/629.
ولكي تحل هذه المشكلة لا بد من التدخل الايجابي من الأهل وأن لا يقفوا موقفا سلبيا من خلافات الزوجين كما نرى الآن , بل يحملوه حملا على عدم تركها هكذا , فقد قال تعالى:" وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً. سورة النساء، الآية35.
فعلي الحكمين أن يعيداهما ويصلحا بينهما - مع وجود الرغبة بينهما - فإذا لم يكن هناك رغبة بينهم الاثنين أو أحدهما، فالفراق خير لهما، وذلك بإحسان، دون مشاكل أو الوقوع في الحرام، فالفراق خير من الشقاق والخلاف، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى : وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعاً حكيماً . سورة النساء 130 .
ولقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه أمر ثابت بن قيس الأنصاري رضي الله عنه بمفارقة زوجته لما لم تستطع البقاء معه لعدم محبتها له، وسمحت بأن تدفع إليه الحديقة ملّكها لها، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ أَمَا إِنِّى مَا أَعِيبُ عَلَيْهِ فِى خُلُقٍ وَلاَ دِينٍ وَلَكِنِّى أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِى الإِسْلاَمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً. أخرجه البخاري 7/60(5273).
فعلى كل زوج أن يتق الله في زوجته ولا يتركها معلقة فيبوء بإثمه وإثمها ويعرض نفسه للسؤال يوم يسأل المرء عن كل ما فعل وينظر ما قدمت يداه .